اسم الكاتب :هنوف الجاسر
عدد الصفحات: 85
3.08ر.ع.
لا شيء يخيفني أكثر من الارتباط برجل تقليدي بحت.. ذوقه رديء في الملابس والكلمات.. رجل بليد لا مشكلة لديه بأن يفوت ولادة طفلنا الأول أو ذكرى زواجنا من أجل مباراة فريقه المفضل.. لا يقرأ، لا يكتب، ليس لديه ما يفعله وقت فراغه عدا التمدد وحشو معدته.. ممل، تصرفاته متوقعة، لا يعرف كيف يدهشني حتى في أبسط الأشياء كالكلمات الغزلية.
متاح للحجز (طلب مسبق)
اسم الكاتب :هنوف الجاسر
عدد الصفحات: 85
الوزن | 0.1 kg |
---|
وكنا إذا جاءَ الليلُ.. نقولُ كلاماً كثيراً عن عينيكـِ؛ وعن صوتكـِ كلاماً أكثر؛ كلاماً يحسبهُ الظمآنُ ماءً؛ رغم أني ارتويتُ كـ ما يرتوي وادٍ من غيمةٍ واحدة..!.
وكنتُ أمسكُ يدَيكـِ.. أملي الصغير؛ وطني؛ هويّة قلبي؛ وأشياءَ لا يعلمها إلا الله؛ كنتُ أمسكُ يدَيكـِ كـ ما يُمسكُ الشرطيّ يتيماً يسرقُ الحلوى.. بـ براءةٍ يظنّ أنّ العالم ملكه؛ وبـ بساطةٍ أثقُ أنّ يدكـِ لي؛ فـ إنْ أمسكتُها فـ قد حِيزَت لي الدنيا؛ وإن اشتقتُ إليها.. يصيرُ قلبي عيناً حمئة؛ وإن فقدتُها.. فـ إنّ لي عندَ اللهِ ما لا يضيع..!.
وكنتُ أعرفُ اسمي جيداً.. صوُتكـِ؛ إذ صوتكـِ ما يُجبرُ القلبَ على الالتفات؛ صوتكـِ الساحرُ كـ ليلٍ باردٍ في باريس؛ والرائع كـ وردةٍ تسألُ عطراً "دوني ماذا تكون"..؟ والهادئ كـ نجمةٍ لا تغيّر مكانها؛ والواثق كـ غروبِ شمسٍ خلفَ أصبعٍ طفلٍ يلعبُ مع السماء؛ صوتكـِ منازل قدّرها الله؛ يا قمراً يركضُ في دمي.. هارباً أو ضاحكاً؛ أو نازلاً كـ الأميراتِ على وجه بحيرة؛ يا امرأةً تجمعُ بين ماهيّتها كـ فتاةٍ وبين حقيقتها كـ جنة؛ لـ تصير أعظم من القتل كـ "فتنة"..!.
هذا يومٌ لا أتمنى في بدايتهِ شيئاً.. حتى أنتِ؛ إذ أنتِ لي؛ وأنا بين يديكـِ كـ ما تكون الرسالةُ بين يدي عاشقٍ يكتبُها.. إذا وضع حرفاً سـ يقبّله؛ وإذا رسم قلباً يضعُ اسمكـِ فيه؛ وإذا ترك فراغاً لـ تُكمليه.. كـ أنّما وضع حياتهُ كلّها كي تكملي بقيّتها..!.
أحبكـِ.. أنا أحبكـِ؛ واللهِ أحبكـِ؛ ولي في عينيكـِ ما لـ من خاف مقام ربّه.. جنّتان؛ ولي فيهما ما يفصلُ بين حياتي دونكـِ ومعكـِ.. فـ لا تبغيان؛ ولي فيهما أعنابٌ وريحان؛ ولي فيهما وعدٌ لا أخلفه؛ ولي منهما نسيان..!
حضر مجنون إلى مجلس إمام المسجد وكان عنده ضيوف , فأحضر الإمام تمراً, وطلب من المجنون أن يقسمه بين الحضور , فقال المجنون لإمام المسجد : أأقسمه كقسمةِ الناسِ أم كقسمةِ الله ؟!
فقال له الإمام : اقسمه كقسمةِ الناسِ.
فأخذ المجنون طبق التمر, وأعطى كل واحدٍ من الحضور ثلاث تمرات, ووضع بقية الطبق أمام الإمام.
عندها قال الإمام: أقسمه كقسمة الله !
فجمع المجنون التمر , وأعطى الأول تمرة, والثاني حفنة , والثالث لا شيء , والرابع ملأ حجره !
فضحك الحاضرون طويلاً ..
لقد أراد المجنون أن يقول لهم إن لله حكمة في كل شيء , وإن أجمل ما في الحياة التفاوت , لو أُعطي الناس كلهم المال لم يعد له قيمة ...
ولو أُعطي كلهم الصحة ما كان للصحة قيمة..
ولو أعطي كلهم العلم ما كان للعلم قيمة.. سرّ الحياة أن يُكمل الناس بعضهم , وأن لله حكمة لا ندركها بعقلنا القاصر , فحين يعطي الله المال له حكمة , وحين يمسكه له حكمة , وأنه ليس علينا أن نشتكي الله كما نشتكي موزع التمر إذا حرمنا !! لأن الله سبحانه وتعالى إذا أعطانا فقد أعطانا ما هو له , وإذا حرمنا فقد حرمنا مما ليس لنا أساساً !
ولو نظرنا إلى الحياة لوجدناها غير متساوية , لهذا نعتقد أن فيها إجحافاً, ولكن هنالك مبدأ أسمى من المساواة , هو العدل , والله عادل , لهذا وزع بالعدل لا بالمساواة , لأن المساواة تحمل في طياتها إجحافاً أحياناً, ومن أُعطي المال نحن لا نعرف ما الذي أُخذ منه في المقابل , ولنكن على يقين أن الله لو كشف لنا حُجب الغيب ما اخترنا لأنفسنا إلا ما اختاره سبحانه لنا , ولكننا ننظر إلى الدنيا كأنها كل شيء , وأنها المحطة الأخيرة لنيل النصيب والرزق , هناك آخرة , ستأتي لامحالة , وسنرى كيف تتحقق العدالة المطلقة , وأن العطاء الحقيقي هناك , والحرمان الحقيقي هناك.
المال لم يكن يوماً معياراً لحب الله للعبد, فقد أعطى المال والملك لمن أبغضهم وأحبهم , ولكنه لم يعطِ الهداية إلا لمن أحبّ, ولو كان المال دليلاً على محبة الله للناس لما ملك النمرود الأرض من مشارقها إلى مغاربها , ولما مضت الأشهر ولا يوقد في بيت النبيّ نار لطعام !!
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.