يظنون اليُتمَ عارٌ سببه نحنُ، هُضِمتْ أبسطُ حُقوقِنا في مكانٍ ظنناه موطناً لا يتجرد فيه الإنسانُ من إنسانيّتِه ، ببراءةِ عقولِنا، آمَنّا بأنهم وضعوا نصبَ أعيُنهِم قولَ الله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}، وأنّهُم حافظينَ الأمانات، رحومينَ عطوفينَ القلبِ، نسينا بأن الجشعَ غشاءٌ تُعمَى بِه القلوبُ والأبصارُ.
و لكنني لمْ أجزعْ أمامَ كُل ذلكَ و حاوَلتُ بكل قِواي أن أُعيدَ ترميمَ قلوبَ اِخوتِي بعدَ الخرابِ الذي خلَّفهُ اليُتمُ ، و حاولتُ انتشالهِم من قاعهِ المُظلمِ و لكنْ ظلّتْ تلكَ الأسماءِ المُزيّفةِ تلتصقُ بنا في كُلِ حينٍ و تعودُ بذاكرتِنا إلى أصلِنا المجهولِ .
طُردتُ جسداً مِن ذلك الميتمِ و لكن بقيَتْ روحي تَجوبُ جُدرانه حُباً لهم .
أكملتُ مسيرتي حتى أُعيدُ السلامَ في قلوبِ اِخوتي ، و نسيتُ قلبي مهشَّماً في أزقةِ النسيانِ .
فأحياه اللهُ مَرةً أُخرى بعد زمنٍ مُهلكٍ بِلقيا جميلةِ العينين ذاتَ الوجّهِ الطفولِيِّ .
خرجت على ذلك العالمِ المجهولِ الذي لمْ تطأهُ قدماي من قبلِ ، فاتّضحَ لي بأنه أقلُ سوداويةً من عالمِنا داخل تلك الأسوارِ و الجدرانِ العقيمةِ .