قبل الدخول في تفاصيل العمل يحسن بنا أن نشير إلى رسالة الأستاذ الجامعي التي ينبغي أن يقوم بها، والتي يعرفها زملائي وأساتذتي الكرام جميعًا، فمن المسلم به في الميدان المهني أن رسالته تتمثل بجانبين: الأول هو الجانب العلمي، ذلك أن الأستاذ الجامعي له مهمة علمية يضيف من خلالها شيئًا في ميدان تخصصه، إن استطاع، ويكون البحث الذي يقدمه بصمة تحسب له، وإذا تمكن من الاجتهاد الصائب والإضافة يكون قد أسهم في ميدانه العلمي إسهامًا بنّاءً، يتراكم مع غيره، فيحدث التطور ويواكب البناء الحضاري.
أما الجانب الثاني الذي يمثّل رسالة الأستاذ الجامعي فهو المهمة التدريسية التي يقوم بها في ميدانه التعليمي، وهذه المهمة تختلف كثيرًا عن الأولى، لأن الغاية منها بسط المعلومات الأساسية المعروفة عند زملائه المتخصصين، وتوضيحها وشرحها حتى تناسب المستوى الجامعي، ويستفيد منها الطالب لتسهم في تكوينه المعرفي.
فإذا عرض الأستاذ مادته بأن بسّط الموضوعات الأساسية التي ينبغي أن يتعلمها الطالب، وتمكن من توضيح المعلومة التعليمية وتوصيلها، يكون قد أسهم في أداء مهمته التعليمية وقدم جهدًا يحسب له بصفته معلِّمًا، ولاسيما في العلوم الإنسانية، لأن هذا الجانب عادةً لا جديد فيه في المرحلة الجامعية، والغاية منه توصيل المعلومات الأساسية المعروفة عند كلِّ أستاذ متخصص في الحقل الجامعي الذي ينتمي إليه المعلم، وهو بذلك لم يقدم معرفة جديدة، بل شائعة معروفة، وتنحصر ميزته في أنه عرضها بأسلوب مبسَّط تُمكِّن المتعلم من أن يستفيد منها، ومن هنا تنبع قيمة الجهد الذي يقوم به، فإذا راعى المقام، وأدرك قدرات مخاطبه الذي يتلقى خطابه جيدًا، يكون قد قدم عملاً تعليميًا مفيدًا، أما إذا خاطب في عمله هذا زميله الأستاذ الجامعي فلن يستفيد، ولن يكافأ إلا بالاستهجان والنفور، بالاستهجان من زملائه، لأنهم لا ينتظرون منه محاضرات تعليمية، معروفة عندهم لا جديد فيها، وبالنفور من الطلبة، لأنه لم يراع قدراتهم فجعل مادته العلمية لا تخاطب مَن في مستواهم المعرفي، وتشكِّل عبئًا عليهم، أو قدم لهم معلومات مهمة، ولكن في ميدان لا يناسبهم، ولا قيمة لها وفقًا لمستواهم وما يبتغون.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.